الفدرالية في اليمن.. الانتقال من دولة الغلبة إلى دولة الشراكة* 

الفدرالية في اليمن.. الانتقال من دولة الغلبة إلى دولة الشراكة* 
الفدرالية في اليمن.. الانتقال من دولة الغلبة إلى دولة الشراكة* 

 

 هذا هو عنوان ورقة العمل التي شاركت بها يوم أمس، ضمن ندوة "الفدرالية بين بناء الثقة السياسية والأمن والسلام" التي أقامتها مؤسسة أنصار تنمية وحماية المجتمع بالشراكة مع منظمة وصل للسلام وبالتعاون مع منظمة فريدريش ايبرت الألمانية في مدينة تعز.

وقد شارك في الندوة عدداً من الأكاديميين والمثقفين والقيادات السياسية والمدنية في مدينة تعز. 
ومن المنتظر أن تنشر أوراق الندوة في كتاب يصدر عن الجهات المنظمة.

تناولت الورقة خاصتي مدخل نظري لمفهوم النظام الفدرالي والمفاهيم القريبة منه: الدولة البسيطة والاتحاد الكونفدرالي وتوضيح الفروقات بين هذه المفاهيم.

كما حاولت الورقة الإجابة على بعض الأسئلة المثارة، أبرزها: 
هل الفدرالية صيغة مستوردة أم أنها فكرة يمنية أصيلة؟ وتوصلت الورقة إلى نتيجة أن اليمن قد عرفت النظام الفدرالي (النظام الاتحادي) في فترات مختلفة من تاريخها القديم والوسيط، فقد كان نظام الحكم في الممالك اليمنية القديمة يقوم على أساس اتحادي، يتكون من ثلاثة مستويات هي:

المستوى الأول: الحكم المركزي حيث كان يتربع على قمته الملك ومجلس المزاود (وهو مجلس تشريعي يمارس اختصاصات تشريعية ورقابية)، وكان هذا المجلس يتألف من كبراء القبائل والأقيال.

المستوى الثاني: المخاليف، ويحكم كل مخلاف زعيم يلقب بـ "القَيْل" (الجمع: الأقيال)، وهو يماثل الاقليم في النظام الفدرالي الحديث. 

المستوى الثالث: المحافد، ويحكم كل محفد زعيم يلقب بـ (ذو...) (الجمع: الأذواء)، وهو يماثل الولاية في الدولة الفدرالية المعاصرة.

https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=4843895299001687&id=100001437931091

ثم حاولت الورقة أن تجيب عن سؤال مهم آخر: لماذا تحتاج اليمن إلى الفدرالية؟ 
والإجابة عن هذا السؤال استلزم معالجة مسألتين: 

الأولى: تقييم تجربة الدولة البسيطة في اليمن وما آلت إليه من تمركُّز شديد للسلطة والثروة بيد النخبة الحاكمة، وقد أدى ذلك إلى نتائج اجتماعية واقتصادية وسياسية بالغة السوء لا نزال نعاني منها حتى اللحظة. 

المسألة الثانية: مبررات ودواعي تطبيق النظام الفيدرالي في اليمن من خلال توضيح أفضليات هذا الخيار عن غيره من الخيارات المطروحة، لاسيما في ظل ما تعيشه البلاد من أوضاع الحرب المدمرة، وتنامي المشاريع الطائفية والجهوية والقبلية، وتصارع الأجندة الخارجية على أرض اليمن، الأمر الذي ضاعف من مخاطر تفكك الدولة وتشظي المجتمع.

كما استعرضت الورقة مضامين النظام الفدرالي في وثيقة مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل ومسودة دستور اليمن الاتحادي.
وقدمت عرضاً موجزاً لرؤى المكونات اليمنية إزاء الخيار الفيدرالي.
 
كما وقفت أمام إشكالية الأقاليم الستة والاختلالات التي اعتورت هذه الصيغة غير العادلة، حيث أنتجت مفارقة حدية صارخة، قسمت اليمن إلى أقاليم غنية بالموارد وبمساحات جغرافية شاسعة وبنسبة سكانية صغيرة، كما هو الحال في إقليمي حضرموت وسبأ اللذين يكتنزان على (80 – 90%) من ثروات وموارد اليمن وبمساحة جغرافية تصل إلى (70%) من إجمالي مساحة البلاد، فيما عدد سكان الاقليمين لا يتجاوز (15 – 20%) من إجمالي السكان.
وفي مقابل ذلك هناك أقاليم شحيحة الموارد ويتواجد فيها تركز سكاني مهول مثل إقليم الجند وإقليم آزال. 
فضلاً عما ينطوي هذا التقسيم على بعد مذهبي وجهوي، وحرمان بعض الأقاليم من منافذ بحرية مثل إقليم آزال وإقليم سبأ، مما يلقي بظلال قاتمة على مستقبل الوحدة الوطنية ويحد من نجاح النظام الفيدرالي في تحقيق أهدافه التنموية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية المنشودة.

ودعت الورقة إلى إعادة النظر في هذا التقسيم السداسي واستيعاب المستجدات التي طرأت على المشهد اليمني منذ 2014 وحتى اليوم بشكل موضوعي ومسؤول بعيداً عن الحسابات الضيقة. 

واختتمت الورقة بجملة من النتائج والتوصيات، أبرزها: 

1- التأكيد على أن خيار الفدرالية إنّ الخيار الفيدرالي علاج وقائي ضروري لتفادي تشظي اليمن إلى دويلات. وهو الحل الواقعي الموضوعي المطروح في مقابل المشاريع التطرفية الأخرى التي تتمثل بـ: التمسك بالدولة البسيطة، والمشروع الطائفي، ومشروع فك الارتباط.
 
2- ينشأ النظام الفيدرالي في أي بلد استجابةً لأسباب وعوامل موضوعية: سياسية أو اقتصادية أو ثقافية... إلخ. وغالباً ما تلجأ إليه الدول التي تعاني من مشكلات على صعيد الاندماج الوطني وتفاوت التنمية بين المناطق والجهات.

3- النظام الفيدرالي نمط من أنماط الوحدة، يهدف إلى إعادة توزيع السلطة والثروة بين وحدات إدارية وفقاً لدستور وقوانين واضحة ومحددة، وليس كما يتوهم البعض بأنه تقسيم للدولة، فالدولة الفدرالية تظلّ دولةً موحدة، بشعبٍ واحد، وبجنسيةٍ واحدة، وبشخصيةٍ دولية واحدة. 

4- النظام الفيدرالي ليس قالباً ثابتاً جامداً، يناسب دول معينة ولا يناسب دول أخرى، كما يتوّهم البعض، بل نظام يتشكّل وفقاً لخصائص كل دولة وأوضاع كل مجتمع. فهناك دول فدرالية كبيرة من حيث المساحة وعدد السكان، مثل: أمريكا، وروسيا وغيرهما. وفي المقابل هناك دول فدرالية صغيرة من حيث المساحة وعدد السكان، مثل: سويسرا، والإمارات العربية المتحدة.
كما أن هناك دول فدرالية تتميز بالتعدد والتنوع المجتمعي، وتضمّ أجناساً وأعراقاً وإثنيات متعددة، مثل: الهند، وماليزيا. وفي المقابل هناك دول فدرالية لا توجد فيها أجناس وأعراق وإثنيات متعددة، مثل: ألمانيا.

5- على أهمية الفكرة الفدرالية وضرورة تطبيقها في اليمن للخروج من أزماتها المتفاقمة، إلا أنّ ذلك لا ينبغي أن يدفعنا إلى اعتبار الفدرالية وكأنها عصا سحرية بمجرد الأخذ بها ستنتهي كل مشكلاتنا وأزماتنا، بل ينبغي القول بأن الفدرالية تمثل خيار محوري ضمن جملة من الإجراءات والسياسات التي تحتاجها اليمن، ومن تلك: مواجهة العصبيات المناطقية والطائفية من خلال بناء خطاب وطني جامع يؤكد على الهوية الوطنية الجامعة والمصير المشترك لجميع اليمنيين، وتجسيد قيم المواطنة والتعايش والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحوكمة الرشيدة.

عيبان محمد السامعي

لاتنسى مشاركة: الفدرالية في اليمن.. الانتقال من دولة الغلبة إلى دولة الشراكة*  على الشبكات الاجتماعية.