نعائم خالد
في بلاد العجائب، حيث تُرفع الرواتب وتُخفض كما تُرفع الأعلام وتُخفض في المناسبات الوطنية، قضيت أحد عشر شهرًا وأنا أراقب راتبي وهو يمارس رياضة الغياب الطويل. لا هو في البنك، ولا هو في الجيب، ولا حتى في الأحلام. فقط في ملفٍ يتيمٍ في وزارة الخدمة المدنية، يتقلب بين "رفع" و"خفض"، وكأنهم يزنون كرامتي على ميزان حساس.
أنا موظفة، نعم، ولستُ متسللة من خلف الجدران. نقلتُ عملي بشكل قانوني، لكن يبدو أن القانون في بلادنا يُطبّق حسب المنطقة الجغرافية، وحسب جنس المواطن، وحسب مزاج الموظف المختص. وحظي؟ حظي أني بنت تعز، المدينة التي تُعاقب على جمالها، وتُحاصر على صمودها، وتُنسى في طوابير الإنصاف.
في يومٍ كهذا، تذكرتُ الأصحاب. يا ما أكثرهم حين تعدّهم، ويا ما أقلّهم حين تحتاجهم. بعضهم اختفى مع أول فاتورة كهرباء، وبعضهم ذاب مع أول طلب سلفة، والبقية مشغولون بتصوير قهوتهم الصباحية على إنستغرام بينما أنا أعدّ قهري على أصابعي.
الحياة؟ متطلباتها تنهشني كضريبة غير معلنة. الديون تتكاثر كأنها تتناسل في الظلام، وأنا أحاول أن أخلق لي مصدر رزق آخر، لكن يبدو أن "المصدر" قرر أن يكون عبئًا إضافيًا، لا دخلًا إضافيًا. تعبت، والله تعبت. وشعرت بقهر الرجال، وأنا امرأة، لكن القهر لا يفرّق بين جنسٍ وآخر، فقط يختار من يرهقهم أكثر.
وفي تعز، وفي اليمن عمومًا، لا أحد يشتكي وحده. كلنا نئن، لكن بصوتٍ منخفض، كي لا نزعج من لا يسمعنا أصلًا. نعيش في مسرحية عبثية، أبطالها موظفون بلا رواتب، وأشرارها ملفات لا تُفتح، ومخرجها مجهول الهوية.
لكننا نضحك، نضحك كي لا نبكي. نكتب كي لا نختنق. ونحلم، رغم أن الحلم صار رفاهية لا يملكها إلا من لا يعرف الواقع.
● أخبار ذات صِلة
أصناف البشر بين الذكاء والغباء… قراءة في طبيعة السلوك الإنساني وانعكاسها على واقع
٢٢ نوفمبر, ٢٠٢٥ 130الإعلام الحكومي.. سلطة الكلمة ومسؤولية الدولة
١٧ نوفمبر, ٢٠٢٥ 158"مكنسة عامل النظافة أقوى من بندق السلطة
٢١ سبتمبر, ٢٠٢٥ 3108المضاربة بالعملة في اليمن: تحديات وحلول
٣ سبتمبر, ٢٠٢٥ 760الشيخ موفق طريف
٢٧ أغسطس, ٢٠٢٥ 648بين تعافي الريال وتلاعب الأوزان: مديرية القاهرة في مرمى الحقيقة
٩ أغسطس, ٢٠٢٥ 914