الربيع العربي وإشكالية الدولة والديمقراطية حديث في الدولة المدنية الحلقة التاسعة والأخيرة
الحديث *عما* جرى في مصر واليمن ليس *سوى* أمثلة واقعيه على مُشكل التغيير ومعوقاته وحتى عن بعض أخطائه في زمن الربيع العربي ، لا سيما فيما يتعلق بتصويب الخطوات السليمة في مسار الدولة المدنية التي تظل بعيدة المنال رغم حجم التضحيات التي تقدم بكثافة وكرم في أي عملية ثورية من قبل الشعوب العربية التي بلا شك " تستطيع أن تدمر ما تريد ولكنها لا تستطيع أن تبني ما *تريد* " على حد وصف المفكر الكبير محمد جابر الانصاري .
صحيح تم إغتيال الفرصة التاريخية في مصر وفي اليمن بدعم إقليمي ، لكن الفارق بينهما في تحديد طبيعة المألآت وحتى فيما يتعلق بنضالات القوى الوطنية التي يجب أن تصطف في مواجهة الإنقلاب ومألاته ، سوف تُحدده طبيعة الخطوات المتخذة من قبل فعل التغيير في البلدين التي تم الإنقلاب عليها ابتداءً ، بمعنى آخر إذا كان ما حدث في مصر السيسي هو إنقلاب على العملية السياسية الديمقراطية وبشكل أعاد إنتاج نظام الاستبداد السياسي بإعتمالاته السياسية وبأدواته القمعية التي كما قلنا يتجاوز فعلهما السمج ما كان موجود قبل ثورة 2011م وحتى ما كان موجود قبل ثورة 1952م في مصر ، لهذا نجد اليوم أن نضالات القوى المعارضة لعبد الفتاح السيسي وحتى خطابها السياسي والإعلامي محشورة في زاوية الكشف عن ممارسة الاستبداد السياسي للنظام الحاكم في مصر دون اكتراث في الحديث عن مشكلة عدم وجود الدولة الوطنية التي مثل غيابها وعدم الوقوف على مشكلتها أولاً - بعد سقوط نظام الرئيس مبارك - سبب جوهري ومباشر لقدرة السلطة لا سيما العسكرية في مصر على ابتلاع الديمقراطية التي تظل في هكذا حال بدون حامل سياسي عضوي وموضوعي = { الدولة الوطنية } وهو ما يعني أن الصراع في مصر سوف يستمر بطريقة حلوزنية وغير ناجعة بين القوى السياسية على حكم السلطة وبإعتمالات تؤدي إلى إزاحة مفهوم الدولة المدنية حتى إذا تم إسقاط السيسي وصعد الآخرون محله في رأس السلطة ما لم يستطع فعل التغيير الثوري في مصر وفي غيرها من الأقطار العربية تحديد نقطة البداية في حل المشكلة التي تتمثل أولاً بضرورة إنتاج شروط الدولة الوطنية كأرضية متينة وصالحة لممارسة العملية السياسية الديمقراطية التي تؤدي بطبيعة الحال إلى الإنتقال السلمي للسلطة في ظل بقاء الدولة كديمومة وكحالة سياسية ضامنة وقابلة لكل ما هو موجود ومتعدد في المجتمع سياسياً واجتماعيا وثقافيا وحتى دينيياً وانسانياً بشرط عدم تعارض مشاريع هذا التنوع القائم على مفهوم الأنا والآخر مع مفهوم الدولة والديمقراطية والهوية الوطنية الجامعة على إعتبار أن هذه الثلاثية تظل في كل الأحوال محددات ضرورية في مفهوم الدولة المدنية الحديثة .
في اليمن كما هو معلوم تم الإنقلاب على مشروع الدولة الوطنية الإتحادية وليس على العملية السياسية الديمقراطية التي كانت عملياً مؤجلة إلى ما بعد بناء الدولة الوطنية ، لكن الكارثة أن الإنقلاب الذي قاده تحالف صالح والحوثيين في صنعاء كان بمثابة القطرة الفوارة التي أفاضت كأس المُشكل السياسي في اليمن على ما هو إجتماعي وثقافي كان قابل في الأساس للإنفجار والتشظي أكثر من اللازم بفعل *اخطاء* سياسية متكررة ، لا سيما وأن الإنقلاب أتى بعد أن كان اليمنيين على إثر ثورتهم الثالثة عاكفين ولأول مرة في تاريخهم المعاصر على نزع كل الألغام التي تم زراعتها في المجال السياسي والاجتماعي والثقافي منذ بواكير دولة الوحدة اليمنية في عام 1990م .
هذا يعني أن تحالف القوى الإنقلابية عمل على توسيع الخرق في المشكلة اليمنية على الراقع في معركة التغيير المتعلقة بمستقبل الدولة المدنية الحديثة ، بمعنى آخر الإنقلاب في اليمن لم يعمل على إعادة الاستبداد السياسي كما حدث في مصر ، أو حتى عمل على استدعاء النماذج التاريخية الممانعة في الشمال والجنوب فحسب ، بل أطلق في نفس الوقت رصاصة الرحمة على ما تبقي من المفهوم السياسي للوحدة اليمنية في ظل فكرة الجمهورية اليمنية ، وكذلك على الهوية الوطنية الجامعة لليمنيين بمحددتها الاجتماعية والثقافية وحتى الوجدانية ، وبشكل يجعلنا نعود القهقري إلى ما قبل سبتمبر في الشمال واكتوبر في الجنوب ، لا سيما وأن الإنقلاب قاد اليمنييون إلى حرب مفتوحة أمام تدخلات أقليمية أصبحت غير مُلْزمة أن تكون ملكية أكثر من الملك فيما يتعلق بالحفاظ على الوحدة اليمنية وعلى الهوية الوطنية الجامعة وحتى على مشروع الدولة والديمقراطية طالما وإن اليمنيين أو بعضهم أصبحوا مستعدين أن يتحولوا إلى أحجار على رقعة الشطرنج في معادلة صراع إقليمية تتقاطع مع ما هو وطني، وآية ذلك أن النماذج التاريخية التي تم استدعائها اليوم في الشمال والجنوب وأصبحت فاعلة في المشهد اليمني بشكل رئيسي لا تعبر بالمطلق عن حاجة وطنية خالصة بقدر ما هي مجرد تعبير عن فائض القوى لدى دول إقليمية وهو ما يعني خلط الأوراق أمام اليمنيين بالنسبة لمعركتهم الرئيسية المتعلقة بمشروع الدولة الوطنية وبشكل يخدم القوى الإنقلابية الرئيسيه = { النموذج التاريخي في صنعاء } التي تؤكد في كل مبادراتها وفي *مشاوراتها* السياسيه رغبتها الشديدة في إستدراج الشرعية وجر اليمنيين إلى حلول ترقيعية تتعلق بتشكيل حكومة شراكة وطنية في صنعاء ثم الشروع فى انتخابات ديمقراطية على إعتبار أن سيطرتها على مفاصل السلطة تجعلها قادرة على خلق حالة من التحكمية في مخرجات العملية السياسية الديمقراطية ، وهو ما يعني بمنطق مبادراتها أو رغبتها دفن مشروع الدولة الوطنية أو الحديث عنها أولاً كمقدمة سياسية ناجعة وضرورية في مسار التحول والتغيير نحو مستقبل الدولة المدنية الضامنة ببعدها السياسي والمدني ، وهذا هو المنطق الرغائبي للثورة المضادة أو للقوى السياسية الممانعة لمفهوم الدولة المدنية في زمن الربيع العربي ، علينا أن نعي جوهر المشكلة العربية اولاً ولا نكرر القفز في الظلام حتى لا يتكرر رسوبنا في اختبارات السياسية . فهمي محمد
الربيع العربي وإشكالية الدولة والديمقراطية
حديث في الدولة المدنية
الحلقة التاسعة والأخيرة
الحديث *عما* جرى في مصر واليمن ليس *سوى* أمثلة واقعيه على مُشكل التغيير ومعوقاته وحتى عن بعض أخطائه في زمن الربيع العربي ، لا سيما فيما يتعلق بتصويب الخطوات السليمة في مسار الدولة المدنية التي تظل بعيدة المنال رغم حجم التضحيات التي تقدم بكثافة وكرم في أي عملية ثورية من قبل الشعوب العربية التي بلا شك " تستطيع أن تدمر ما تريد ولكنها لا تستطيع أن تبني ما *تريد* " على حد وصف المفكر الكبير محمد جابر الانصاري .
صحيح تم إغتيال الفرصة التاريخية في مصر وفي اليمن بدعم إقليمي ، لكن الفارق بينهما في تحديد طبيعة المألآت وحتى فيما يتعلق بنضالات القوى الوطنية التي يجب أن تصطف في مواجهة الإنقلاب ومألاته ، سوف تُحدده طبيعة الخطوات المتخذة من قبل فعل التغيير في البلدين التي تم الإنقلاب عليها ابتداءً ، بمعنى آخر إذا كان ما حدث في مصر السيسي هو إنقلاب على العملية السياسية الديمقراطية وبشكل أعاد إنتاج نظام الاستبداد السياسي بإعتمالاته السياسية وبأدواته القمعية التي كما قلنا يتجاوز فعلهما السمج ما كان موجود قبل ثورة 2011م وحتى ما كان موجود قبل ثورة 1952م في مصر ، لهذا نجد اليوم أن نضالات القوى المعارضة لعبد الفتاح السيسي وحتى خطابها السياسي والإعلامي محشورة في زاوية الكشف عن ممارسة الاستبداد السياسي للنظام الحاكم في مصر دون اكتراث في الحديث عن مشكلة عدم وجود الدولة الوطنية التي مثل غيابها وعدم الوقوف على مشكلتها أولاً - بعد سقوط نظام الرئيس مبارك - سبب جوهري ومباشر لقدرة السلطة لا سيما العسكرية في مصر على ابتلاع الديمقراطية التي تظل في هكذا حال بدون حامل سياسي عضوي وموضوعي = { الدولة الوطنية } وهو ما يعني أن الصراع في مصر سوف يستمر بطريقة حلوزنية وغير ناجعة بين القوى السياسية على حكم السلطة وبإعتمالات تؤدي إلى إزاحة مفهوم الدولة المدنية حتى إذا تم إسقاط السيسي وصعد الآخرون محله في رأس السلطة ما لم يستطع فعل التغيير الثوري في مصر وفي غيرها من الأقطار العربية تحديد نقطة البداية في حل المشكلة التي تتمثل أولاً بضرورة إنتاج شروط الدولة الوطنية كأرضية متينة وصالحة لممارسة العملية السياسية الديمقراطية التي تؤدي بطبيعة الحال إلى الإنتقال السلمي للسلطة في ظل بقاء الدولة كديمومة وكحالة سياسية ضامنة وقابلة لكل ما هو موجود ومتعدد في المجتمع سياسياً واجتماعيا وثقافيا وحتى دينيياً وانسانياً بشرط عدم تعارض مشاريع هذا التنوع القائم على مفهوم الأنا والآخر مع مفهوم الدولة والديمقراطية والهوية الوطنية الجامعة على إعتبار أن هذه الثلاثية تظل في كل الأحوال محددات ضرورية في مفهوم الدولة المدنية الحديثة .
في اليمن كما هو معلوم تم الإنقلاب على مشروع الدولة الوطنية الإتحادية وليس على العملية السياسية الديمقراطية التي كانت عملياً مؤجلة إلى ما بعد بناء الدولة الوطنية ، لكن الكارثة أن الإنقلاب الذي قاده تحالف صالح والحوثيين في صنعاء كان بمثابة القطرة الفوارة التي أفاضت كأس المُشكل السياسي في اليمن على ما هو إجتماعي وثقافي كان قابل في الأساس للإنفجار والتشظي أكثر من اللازم بفعل *اخطاء* سياسية متكررة ، لا سيما وأن الإنقلاب أتى بعد أن كان اليمنيين على إثر ثورتهم الثالثة عاكفين ولأول مرة في تاريخهم المعاصر على نزع كل الألغام التي تم زراعتها في المجال السياسي والاجتماعي والثقافي منذ بواكير دولة الوحدة اليمنية في عام 1990م .
هذا يعني أن تحالف القوى الإنقلابية عمل على توسيع الخرق في المشكلة اليمنية على الراقع في معركة التغيير المتعلقة بمستقبل الدولة المدنية الحديثة ، بمعنى آخر الإنقلاب في اليمن لم يعمل على إعادة الاستبداد السياسي كما حدث في مصر ، أو حتى عمل على استدعاء النماذج التاريخية الممانعة في الشمال والجنوب فحسب ، بل أطلق في نفس الوقت رصاصة الرحمة على ما تبقي من المفهوم السياسي للوحدة اليمنية في ظل فكرة الجمهورية اليمنية ، وكذلك على الهوية الوطنية الجامعة لليمنيين بمحددتها الاجتماعية والثقافية وحتى الوجدانية ، وبشكل يجعلنا نعود القهقري إلى ما قبل سبتمبر في الشمال واكتوبر في الجنوب ، لا سيما وأن الإنقلاب قاد اليمنييون إلى حرب مفتوحة أمام تدخلات أقليمية أصبحت غير مُلْزمة أن تكون ملكية أكثر من الملك فيما يتعلق بالحفاظ على الوحدة اليمنية وعلى الهوية الوطنية الجامعة وحتى على مشروع الدولة والديمقراطية طالما وإن اليمنيين أو بعضهم أصبحوا مستعدين أن يتحولوا إلى أحجار على رقعة الشطرنج في معادلة صراع إقليمية تتقاطع مع ما هو وطني، وآية ذلك أن النماذج التاريخية التي تم استدعائها اليوم في الشمال والجنوب وأصبحت فاعلة في المشهد اليمني بشكل رئيسي لا تعبر بالمطلق عن حاجة وطنية خالصة بقدر ما هي مجرد تعبير عن فائض القوى لدى دول إقليمية وهو ما يعني خلط الأوراق أمام اليمنيين بالنسبة لمعركتهم الرئيسية المتعلقة بمشروع الدولة الوطنية وبشكل يخدم القوى الإنقلابية الرئيسيه = { النموذج التاريخي في صنعاء } التي تؤكد في كل مبادراتها وفي *مشاوراتها* السياسيه رغبتها الشديدة في إستدراج الشرعية وجر اليمنيين إلى حلول ترقيعية تتعلق بتشكيل حكومة شراكة وطنية في صنعاء ثم الشروع فى انتخابات ديمقراطية على إعتبار أن سيطرتها على مفاصل السلطة تجعلها قادرة على خلق حالة من التحكمية في مخرجات العملية السياسية الديمقراطية ، وهو ما يعني بمنطق مبادراتها أو رغبتها دفن مشروع الدولة الوطنية أو الحديث عنها أولاً كمقدمة سياسية ناجعة وضرورية في مسار التحول والتغيير نحو مستقبل الدولة المدنية الضامنة ببعدها السياسي والمدني ، وهذا هو المنطق الرغائبي للثورة المضادة أو للقوى السياسية الممانعة لمفهوم الدولة المدنية في زمن الربيع العربي ، علينا أن نعي جوهر المشكلة العربية اولاً ولا نكرر القفز في الظلام حتى لا يتكرر رسوبنا في اختبارات السياسية .
لاتنسى مشاركة: الربيع العربي وإشكالية الدولة والديمقراطية حديث في الدولة المدنية الحلقة التاسعة والأخيرة على الشبكات الاجتماعية.
التعليقات (0)
أعجبني / لايعجبني
ماهو تفاعلك مع هذا ؟