*لماذا نقرأ؟*

*لماذا نقرأ؟*
*لماذا نقرأ؟*

 

د. أيمن العتوم
شاعر وروائي أردني  
13/11/2017
 

*سؤالٌ يبدو غريبًا، إذ تبدو الحياة طبيعيّة دون قراءة، ها نحن نعيش، نتوالدُ، نعمل في كلّ اتّجاه، نأكل، ونموت؛ ما حاجتنا إلى القراءة إذًا؟ ما الّذي سيتغيّر لو نحن رَمَينا الكتاب خلفنا، وذهبْنا بعيدًا في مسارب الحياة ومجاهلها؟ ما الّذي سينقصنا إنْ لم نقرأ؟ وما الّذي ستُضيفه القراءة إلينا، نحن الشّعوب الّتي تتكاثر بسرعةٍ كسرعة انقِسام الخلايا، وننمو مثل الفِطريّات في كلّ مكان!*
   
هل سألَ أحدُنا نفسَه: لماذا كانتْ أوّلُ كلمةٍ في الوحي الخالد، الّذي هبطَ به جبريل من الأعالي إلى أعالي روح الرّسول الأعظم: (اقْرأْ)؟ لِمَ هذه الكلمة بذاتِها القائمة، بجسدها الباذخ المُوغِل في الغُموضِ والكَشْفِ في آن؟ *لِمَ تتدفّق هذه الكلمة من فيوض السّماء إلى قلبِ نبيٍّ توّاق في دينِ سيكون الخاتَم، وفي رسالةٍ ستكون الباقية، وفي كتابٍ سيكون المُهَيمن؛ لِمَ هذه الكلمة دون سِواها؟ سؤال يبدو بدهيًّا قابِلاً للتّأويل أوّل الأمر، وصعبًا إشاريًّا غير قابلٍ للتأويل بعدَ ولوجِ بوّابته المفتوحة على المُطلَق*!

      
لكنْ لحظة، *السّؤال الّذي تبدو له وجاهة أكثر من (لماذا نقرأ؟) هو: ما الّذي يدفعنا إلى القراءة؟ أولئك الّذين تتخطّفهم الكتب ما الّذي وجدوه فيها حتّى ملأتْ عليهم كِيانَهم ووقتهم وتفكيرهم؟ ما الّذي جذبهم في تلك اللّيلة المُوغِلة في العتمة لكي يتخلّوا عن النّوم اللّذيذ في أشدّ حاجتهم إليه من أجل أنْ يُتِمّوا قراءة النّصّ المُتّقد الّذي يحملونه بين أيديه؟ ما السّحر الّذي ينطوي عليه ذلك النّصّ حتّى يصعب عليهم مفارقته؟*

لكنْ لحظةً مرّة أخرى؛ *السّؤال الّذي يبدو أكثر منطقيّة من السّؤالَين السّابِقَين*؛ هو السّؤال الّذي يقف على الضّفّة الأخرى: *لماذا لا نقرأ؟ لماذا لا نُدمن القراءة؟ لماذا لا تُصبح القراءة ثقافةً يغرق فيها المجتمع كلّه بأطيافه كافّة؟ لماذا لا يُصبح مشهد الأفواج البشريّة الّتي تركب المواصلات العامّة وهي تحمل كتابًا مشهدًا مألوفًاً...؟؟*
        
العقّاد يقول: *(أهوى القراءة لأنّ عندي حياةً واحدةً في هذه الدنيا، وحياة واحدة لا تكفيني، ولا تُحرّك كل ما في ضميري من بواعث الحركة. والقراءة دون غيرها هي التي تعطيني أكثر من حياة واحدة في مدى عمر الإنسان الواحد، لأنها تزيد هذه الحياة من ناحية العمق، وإن كانت لا تُطيلها بمقادير الحساب*).
 ومعناه أنّه بالقراءة يعيش الإنسان أكثر من حياة، ومنذُ خُلِق الإنسان كانتْ فكرة الخلود هاجِسًا لا يُفارقه، وعلى إيقاع نغمات هذا الخلود السّاحرة استطاع إبليس أن يُغويَ آدم ويُغريه: "قال هل أدلّك على شجرة الخُلدِ ومُلْكٍ لا يَبْلَى"، والقراءة نوعٌ من العروج إلى ذلك الخلود الخفيّ.
           
*وماذا يعني أنْ تقرأ كتابًا جيّدًا؟ معناه أنْ تقرأ فيه كلّ الكتب المختبئة خلفه، تلك الكتب الّتي انصهرتْ في عقل الكاتب ووِجدانه، ثُمّ قدّم شَهدَها المُذاب على شكلٍ سطور. أنا أقرأ لأنّ العالَم الّذي أعيشُ فيه يعجّ بالفوضى واللامنطق، الكتاب يجعلني أعيشُ في عالَمه، عالَمه حتّى لو كان خياليًّا يبدو أكثر منطقيّة من واقعنا المريض.*

 

لاتنسى مشاركة: *لماذا نقرأ؟* على الشبكات الاجتماعية.