المخلفات الإلكترونية" .. منجم العناصر الأرضية النادرة

المخلفات الإلكترونية" .. منجم العناصر الأرضية النادرة
المخلفات الإلكترونية" .. منجم العناصر الأرضية النادرة

 

يبدأ الهاتف المحمول رحلته في الحياة داخل علبة كرتونية أنيقة، حيث يلاقيه المستخدم للمرة الأولى بالفرح والحبور، ويتعامل معه بالعناية والاهتمام اللذين يتناسبان مع الدور الذي أصبحت هذه الأجهزة تلعبه في حياة الإنسان المعاصر.

وبعد شهور أو سنوات، تنقضي دورة حياة الهاتف حتى يصل في نهاية المطاف إلى مثواه الأخير داخل درج المهملات في المنزل، ومنه إلى مستودع للنفايات، حيث تتسرب معه المواد الكيميائية السامة لتلوث التربة أو المياه الجوفية. وفي أسوأ الحالات، يتم شحن هذه الأجهزة القديمة المتهالكة إلى دول أخرى، حيث يعكف عمال بؤساء على تفكيكها يدويا لاسترجاع القطع الثمينة التي تصلح لإعادة الاستخدام منها، ثم يحرقون أو يدفنون الأجزاء المتبقية، ويتسببون، في الوقت ذاته، في أخطار صحية وبيئية جسيمة، سواء بالنسبة لأنفسهم أو للمجتمعات التي يعيشون فيها.

وتكمن المفارقة في أنه في الوقت الذي تنبعث فيه أبخرة المواد السامة من الهواتف والأجهزة الإلكترونية القديمة أثناء إحراقها للتخلص منها، تجد عمال المناجم ينهبون الأرض في بقاع أخرى من العالم، بحثا عن معادن وعناصر أرضية نادرة، بغرض استخدامها في إشباع نهم شركات الإلكترونيات من أجل تصنيع أجهزة وهواتف أخرى جديدة وحديثة.

وقال بابلو دياز، المهندس المتخصص في إدارة المخلفات الإلكترونية بجامعة نيو ساوث ويلز في سيدني بأستراليا، إن مشكلة المخلفات الإلكترونية تزداد خطورة، موضحا أنها “أسرع مصادر المخلفات نموا على الإطلاق”.

وحسب “المشروع العالمي لمراقبة المخلفات الإلكترونية” الذي يدعمه معهد الأمم المتحدة للتدريب والأبحاث، فقد تخلص البشر من 53,6 ملايين طن متري من المخلفات الإلكترونية عام 2019، ومن المتوقع أن تزيد هذه الكمية بنسبة 40 في المائة تقريبا بحلول 2030.

وفي تصريحات للموقع الإلكتروني “ساينتيفيك أمريكان” المتخصص في التقارير العلمية، قال أولاديل أوجونستان، الباحث في مجال الصحة العامة بجامعة كاليفورنيا إيرفين الأمريكية، إن الأمور بدأت تتغير فيما يتعلق بمشكلة المخلفات الإلكترونية، وأوضح: “لقد أحدثنا قدرا من الصخب، بحيث لم يعد بمقدور المصنعين أن يتجاهلوننا بعد الآن”، مشيرا إلى أن المجال أصبح متسعا في الوقت الحالي لإعادة تدوير صناعة الإلكترونيات، حيث بات من الممكن إعادة استخدام المعادن الثمينة والنادرة داخل الأجهزة الإلكترونية بوتيرة غير نهائية، وابتكار تقنيات جديدة لاسترجاعها من داخل الأجهزة القديمة والبالية، مما يقلل الحاجة بشكل كبير إلى تعدين هذه المواد من الأرض.

وأوردت كلارا سانتاتو، الكيميائية المتخصصة في المواد الكهربائية في كلية مونتريال للعلوم التطبيقية في كندا، إن “هناك فرصة للتوقف عن التفكير في هذه الأجهزة الإلكترونية باعتبارها مخلفات”؛ ولكن المسألة تتطلب تطوير الصناعة بشكل عام، فضلا عن طريقة تفكير المستهلك الذي يتوق بشدة دائما إلى الأجهزة الإلكترونية الحديثة.

وأكد جيف كيتل، مهندس الإلكترونيات من جامعة جلاسكو البريطانية في تصريحات لموقع ساينتفيك أمريكان، أن المخلفات الإلكترونية تحتوي على 69 عنصرا كيميائيا مختلفا، مضيفا: “لقد فحصنا لوحات الدوائر الإلكترونية المطبوعة داخل عشر هواتف ذكية مختلفة، ووجدنا اختلافات كبيرة في تركيب المواد بينها”.

يذكر أن عناصر البناء الأساسية داخل الهواتف والأجهزة الإلكترونية عادة ما تتكون من السليكون والحديد والنحاس، بالإضافة إلى عناصر أخرى أكثر ندرة؛ من بينها معادن ثمينة موصلة للكهرباء مثل البلاتين والذهب، وكذلك عناصر أرضية نادرة مثل النيوديميوم الذي يتميز بخواص مغناطيسية وكهربائية فريدة. وتحتوي بعض الأجهزة على معادن ثقيلة مثل الرصاص والكادميوم، التي تنطوي على خطورة كبيرة بالنسبة لصحة الانسان والبيئة.

وأفاد إيكينا نيلباديم، الباحث في علم المواد في مختبر إيمس الوطني بولاية أيوا الأمريكية، بأن المخلفات الإلكترونية تحتوي على عناصر يتعذر أن نجدها بوفرة، وإذا ما استخرجت من الأجهزة القديمة، فإنها سوف تكون مثل منجم للذهب.

وأضاف أن هذه العناصر والمعادن التي يتم استعادتها تكون أيضا مضمونة الجودة؛ لأنها استخدمت، بالفعل، من قبل وثبتت كفاءتها للاستخدام داخل الأجهزة الإلكترونية.

وقال المرصد العالمي للمخلفات الإلكترونية إنه، اعتبارا من 2019، لم يتم تدوير سوى 17 في المائة من إجمالي المخلفات الإلكترونية في العالم بشكل صحيح؛ في حين تعذر متابعة مصير النسبة الباقية من هذه المخلفات، والتي يفترض أنه انتهى بها المطاف داخل مستودعات النفايات المحلية في دول العالم، مما أهدر كميات هائلة من المواد الثمينة وتسبب في حدوث أضرار بيئية جسيمة.

وسجل نيلباديم أن هناك أسبابا عديدة تحول دون إعادة تدوير المخلفات الإلكترونية في الولايات المتحدة، حيث إنه “من الناحية الاقتصادية يصعب تحقيق أرباح طائلة من هذه الصناعة. كما أن هناك كثيرا من القوانين البيئية التي تمنع المصانع من تفكيك وصهر هذه المواد”، كما أن كثيرا من المناطق تفتقر إلى الآليات التي تسمح بوجود منظومات فعالة للتجميع واستعادة المخلفات الإلكترونية من المنازل؛ وبالتالي ينتهي المطاف بهذه المخلفات في دول مثل غانا والبرازيل وفيتنام وغيرها، حيث يعكف عمال على تفكيك هذه الأجهزة وإعادة تدوير مكوناتها بشكل غير رسمي.

وقال دياز: “يتم استرجاع المكونات الثمينة مثل لوحات الدوائر الإلكترونية والأقراص الصلبة ووحدات الذاكرة يدويا، ثم شحنها مرة أخرى إلى الدول الغنية للاستفادة منها. أما الأجزاء الباقية، فيتم حرقها أو تكديسها على الأرض لتتسبب في كارثة صحية متواصلة”.

وأكد أن جزءا من حل هذه المشكلة يقع على عاتق المستهلك، مشيرا إلى أن هذه المسألة تتطلب قدرا من تفتح الذهن والوعي البيئي، موضحا: “من الممكن أن نقتني هاتفا جيدا يعيش أربع أو خمس سنوات في حالة جيدة، وليس من الضروري أن نستغنى عن أجهزتنا الإلكترونية بمثل هذه الطريقة التي نعتقدها”.

 

لاتنسى مشاركة: المخلفات الإلكترونية" .. منجم العناصر الأرضية النادرة على الشبكات الاجتماعية.

المصدر : هسبريس