لماذا نجح العالم في معالجة "ثقب" الأوزون وتلكأ في معالجة التغير المناخي؟

لماذا نجح العالم في معالجة "ثقب" الأوزون وتلكأ في معالجة التغير المناخي؟
عمقت النتائج العلمية وعي الجمهور بمخاطر التعرض للأشعة فوق البنفسجية
لماذا نجح العالم في معالجة "ثقب" الأوزون وتلكأ في معالجة التغير المناخي؟

ما زال العالم يواجه تهديدا بيئياً كبيرا منذ أكثر من ثلاثين عاما.

وقد هب العالم بمجمله مدفوعا بتحذير العلماء ونصيحتهم في هذا الصدد، فعمل السياسيون من كلا الجانبين المنقسمين في أيام الحرب الباردة معا، فضلا عن المواطنين والشركات في محاولة لوقف توسع "ثقب" طبقة الأوزون في الغلاف الجوي للأرض.

واليوم، على الرغم من أن المشكلة لم تختفِ نهائيا، ثمة أدلة علمية تشير إلى أنها تعالج ببطء.

لذا نتساءل في اليوم العالمي للحفاظ على طبقة الأوزون (16 سبتمبر/أيلول): لماذا يصعب على العالم إعادة معالجته البيئية الناجحة لخطر "ثقب" الأوزون

ا تؤخذ نصيحة العلم بجدية

يكمن الاختلاف في السياقين وحجم التحديات الهائل في السابق والآن، إذ تقول أوسكانا تاراسوفا، رئيسة الباحثين في برنامج مراقبة الغلاف الجوي للأرض في منظمة الأرصاد الجوية العالمية التابعة للأمم المتحدة في جنيف: "الأوزون قصة جيدة تقدم نموذجا عن كيفية قيادة العلم للسياسة فعليا".

وتضيف: "وهكذا أُخذ علمنا بجدية واتخذت أفعال جدية في المجال السياسي، وقد وقع ذلك بطريقة كان للعلم فيها في حوار دائم مع صنّاع

ماهي طبقة الأوزون؟

الأوزون ( O3)، هو أكسجين (متآصل)، أي أن له نفس التركيب الكيميائي للأكسجين ( O2) ولكن بتركيب بلوري مختلف، فغاز الأكسجين الذي يشكل نسبة 21 في المئة من الغلاف الجوي. أما الأوزون فيتشكل من الأُكسجين في تفاعل عكسي.

ويتكون الأوزون عندما تكسر الأشعة فوق البنفسجية الرابطة التساهمية الثنائية في جزيء الأكسجين فتؤدي إلى وجود ذرتي أكسجين نشطتين، وتتحد كل ذرة أكسجين نشطة مع جزيء أكسجين ( O2) فتؤدي تكون جزيء أوزون ( O3).

وتشكل طبقة الأوزون "درعا" هشا في الغلاف الجوي العلوي حيث يوجد أعلى تركيز للأوزون.

تمتص هذه الطبقة الأشعة فوق البنفسجية وتمنع معظمها من الوصول إلى الأرض، وهذا أمر مهم للكائنات الحية على الأرض. فهذه الأشعة قد تتسبب في سرطان الجلد.

في عام 1973، وجد الباحث ماريو مولينا، في جامعة كاليفورنيا -إيرفين، أن المواد الكيميائية المستخدمة في تبريد الثلاجات، فضلا عن المواد المستخدمة لصنع رشاشات الرذاذ ورغوة البلاستيك، قد تدمر طبقة الأوزون الموجودة في الغلاف الجوي العلوي. وتسمى مركبات الكربون الكلوروفلورية ويرمز لها بالحروف سي أف سي، وتعرف تجاريا باسم "الفريون".

وقد تأكدت تحذيرات مولينا في عام 1985 عندما قام فريق من العلماء البريطانيين برصد وحساب انخفاض حاد في تركيز الأوزون فوق القارة القطبية الجنوبية. و لايمثل هذا الانخفاض في كثافة الأوزون ثقبا فعليا في طبقته بل هو عبارة عن ضعف في طبقة الأوزون فوق هذه المنطقة ذات النظام البيئي الدقيق.

وفي العامين اللاحقين، وبعد رحلتين استكشافيتين إلى القارة القطبية، تمكنت البروفسورة المختصة بكيمياء الغلاف الجوي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (أم آي تي)، سوزان سولومون، من جمع دلائل كافية لتحديد من المسؤول عن هذا الضرر الذي يطال طبقة الأوزون وهي مركبات الكربون الكلوروفلورية.

رد سياسي سريع

إن عملية المقارنة بين "ثقب" في طبقة الأوزون و "ثقب" في سقف منزلنا كانت صورة قوية حفزت جهود الدعم من أجل اتخاذ فعل لمعالجة هذه الظاهرة.

وساعدت في رفع مستوى الوعي الجماهيري بشأن مخاطر الإصابة بسرطان الجلد واعتام عدسة العين وضربة الشمس الناجمة عن زيادة التعرض للأشعة فوق البنفسجية.

وعلى العكس مما يجري اليوم بشأن الاتفاق على فعل من عموم البشرية بشأن ارتفاع درجة حرارة الأرض، قرر السياسيون حينذاك العمل مستندين إلى الأدلة التي يمتلكونها، على الرغم من أن المجتمع العلمي في ذلك الوقت كان لا يزال منشغلا في النقاش عن الأسباب التي تؤدي إلى ثقب طبقة الأوزون.

وقد وضعت الحكومات في الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفيتي خلافاتها جانبا مؤقتا خلال مرحلة الحرب الباردة لتناقش حلول الأزمة. وفي عام 1987، وقع بروتوكول مونتريال الذي منع استخدام المواد الكيميائية المضعفة لطبقة الأوزون.

وكانت هذه المعاهدة الأولى في التاريخ التي صادق عليها كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بحسب سولومون. إذ حملت 197 توقيعا (كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة فضلا عن جزر نييوي وكوك والفاتيكان والاتحاد الأوروبي).

"نموذج للتعاون"

وقد كُرم مولينا على اكتشافاته بمنحه جائزة نوبل للكيمياء في عام 1996، كما مُنحت سولومون جائزة نوبل في عام 2007 مناصفة مع نائب الرئيس الأمريكي السابق آل غور واللجنة الدولية للتغييرات المناخية التابعة للأمم المتحدة.

ورحب الرئيس الأمريكي الجمهوري رونالد ريغان ببروتوكول مونتريال واصفا إياه بأنه "نموذج للتعاون" الدولي.

وتقول تاراسوفا إن التعاون لم يقتصر على المستوى السياسي بل كان أيضا بين العلماء وصنّاع القرار.

وتضيف "لدينا عملية التقييم بأكملها، ونحن لا نفعلها في عزلة".

"إذا وصفت سياسة ما، فستحتاج إلى أدوات لمعرفة ما إذا كانت هذه السياسة ناجحة أم لا. لذلك في بعض الأحيان سيعود صنّاع القرار إلى العلماء ليسألونهم : ’هل نحن في المسار الصحيح، وهلاّ قدمتوا لنا المشورة؟ ’ لهذا السبب يعد بروتوكول مونتريال قصة نجاح".

تحدٍ على نطاق واسع

وعلى الرغم من مرور ثلاثة عقود مازال منكرو فكرة التغير المناخي ممسكين بمواقع أساسية في الحكومات تتعلق بالسياسات البيئية، كما هي الحال في الولايات المتحدة والبرازيل.

وتقول تاراسوفا إن حجم التحديّين البيئيَين يمثل فرقاً رئيسياً آخر.

ففي الوقت الذي يتطلب التعامل مع طبقة الأوزون العمل مع عدد قليل من القطاعات الاقتصادية وتغيير عادات بعض المستهلكين، فإن معالجة ظاهرة الاحتباس الحراري تتطلب إعادة التفكير في الطريقة التي نستخدم وننتج بها الطاقة التي تغذي العالم.

وتضيف: "بروتوكول مونتريال يتعلق بإنتاج واستهلاك المواد المستنفدة للأوزون ويشمل عدداً محدوداً من اللاعبين"، لكن الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة "أوسع بكثير لأن الاقتصاد بأكمله يعتمد على الوقود الأحفوري".

وتكمل "الطاقة هي كل شيء. القيام بإجراء ما، صعب للغاية لأن كل شخص بحاجة إلى اتخاذ إجراء بشأن شيء ما. إنه يحتاج إلى تغيير أكثر جوهرية

اتفق المجتمع الدولي على سلسلة من الالتزامات الملزمة وغير الملزمة في عدة مناسبات (ريو 1992 وكيوتو 1998 وكوبنهاغن 2009 وباريس 2015)، لكن الانبعاثات ما زالت تتصاعد. فعلى سبيل المثال، فروسيا على سبيل المثال لم توقع على اتفاقية باريس.

وفي عهد الرئيس دونالد ترامب، انسحبت الولايات المتحدة، وهي ثاني أكبر مصدر لانبعاثات الغازات الدفيئة في العالم، وحولت سياستها نحو أجندة تطوير الوقود الأحفوري.

ووفقاً للمفوضية الأوروبية، تمثل الولايات المتحدة 13 في المئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم، بينما تمثل روسيا 4.6 في المئة، ويبدو أن ثمة انعكاساً لهذه السياسات في البرازيل أيضاً، والتي تمثل 2.4 في المئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

وتعد إزالة الغابات أحد المحركات الرئيسية لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون هناك، وقد ازدادت في عهد الرئيس جايير بولسونارو.

إنه تناقض صارخ مع الكيفية التي توصل بها السياسيون المتنافسون، (والذين من المستبعد اعتبارهم أبطالا في مجال البيئة)، أمثال ريغان وميخائيل غورباتشوف ومارغريت تاتشر إلى اتفاق بشأن بروتوكول

تجنب الأسوأ

ولكن هناك دروسا يجب تعلمها من الماضي فضلا عن الفوائد الجلية منها.

وقدرت دراسة أجراها باحثون في جامعة ليدز بالمملكة المتحدة عام 2015 أن ثقب الأوزون فوق القارة القطبية الجنوبية كان سيزيد بنسبة 40 في المئة حتى الآن لو لم يتم حظر المواد الكيميائية المستنفدة للأوزون في الثمانينيات.

ووجدت الدراسة أن طبقة الأوزون ستكون أرق على خطوط العرض الوسطى من نصف الكرة الشمالي، وكان هناك ثقب فوق القطب الشمالي في بعض الأحيان.

كما قدرت دراسة أخرى أجراها علماء في المملكة المتحدة وهولندا وألمانيا واليونان، أن بروتوكول مونتريال منع مليوني حالة من حالات سرطان الجلد كل عام.

وقالوا إنه بحلول عام 2030، سيكون هناك حالات أقل للإصابة بسرطان الجلد بنسبة 14 في المئة أقل سنوياً، مقارنة بالسيناريو لانتشار السرطان من دون بروتوكول مونتريال.

وكشف أحدث تقييم علمي لطبقة الأوزون لدينا في عام 2018 أن أجزاء منها تعافت بمعدل يتراوح بين 1 و 3 في المئة لكل عقد منذ عام 2000.

ووفقًا للأمم المتحدة، ستلتئم تركيزات الأوزون تماماً في نصف الكرة الشمالي وفي خط العرض المتوسط بحلول عام 2030 بالمعدلات المتوقعة. ويتبع ذلك نصف الكرة الجنوبي في الخمسينيات والمناطق القطبية في الستينيات.

"ليست صفقة منتهية"

ولكن على الرغم من التقدم المحرز، إلا أن مشكلة طبقة الأوزون لدينا لا تزال بعيدة عن الحل، وتواصل البلدان التعاون لمعالجتها.

وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، دخل تعديل على بروتوكول مونتريال، عرف بتعديل كيغالي، حيز التنفيذ تدريجياً لتخفيض إنتاج واستخدام مركبات الكربون الكلوروفلورية والغازات التي حلت محل مركبات الكربون الكلوروفلورية.

على الرغم من أن مركبات الكربون الكلورو فلورية ليست سوى جزء صغير من الغازات الدفيئة، فإنها يمكن أن تكون تؤثر أكثر بمئات إلى آلاف المرات من ثاني أكسيد الكربون في المساهمة في تغير المناخ.

ومن خلال التوقيع على تعديل كيغالي، التزمت البلدان بخفض إنتاج واستخدام مركبات الكربون الكلوروفلورية بأكثر من 80 في المئة على مدى السنوات الثلاثين المقبلة مع تجنب ارتفاع درجة حرارة بنسبة 0.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن.

بالإضافة إلى ذلك، تستمر الجهود في معالجة الانبعاثات غير المشروعة للمواد الكيميائية المدمرة للأوزون.

وحددت دراسة نُشرت في شهر أيار/ مايو مقاطعات في شرق الصين بوصفها المصدر الرئيسي للارتفاع في مادة واحدة على الأقل من مركبات الكربون الكلوروفلورية.

وتقول تاراسوفا: "لهذا من المهم الاحتفال بهذا اليوم لطبقة الأوزون والتحدث عن نجاح بروتوكول مونتريال، لكن من المهم أيضاً أن نفهم أنه صفقة لم تكتمل بعد".

وتضيف "لا يمكننا إيقاف جميع عمليات المراقبة والتخلي عن جميع الأقمار الصناعية، لأننا إزاء مشكلة مطردة. ونحتاج إلى مراقبتها بشكل دائم".

 

لاتنسى مشاركة: لماذا نجح العالم في معالجة "ثقب" الأوزون وتلكأ في معالجة التغير المناخي؟ على الشبكات الاجتماعية.

المصدر : BBC عربي