حكومة مصطفى الكاظمي: هل تحميها توافقات الضرورة؟

حكومة مصطفى الكاظمي: هل تحميها توافقات الضرورة؟
حكومة مصطفى الكاظمي: هل تحميها توافقات الضرورة؟

متابعات

بمجرد إعلان رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي تصويت الغالبية لصالح تمرير تشكيلة الحكومة التي تقدم بها المكلف مصطفى الكاظمي، انهالت التهاني سريعا من أطراف دولية، في مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا، مرفقة بوعود لدعمها في مواجهة التحديات الجسام التي ولدت في خضمها.

لكن الداخل العراقي انقسم إزاءها على مستويات متعددة، اذ لم تكد تمضي دقائق على التصويت، حتى خرجت مظاهرات سريعة في ساحة التحرير في بغداد، للتنديد بما قالوا إنها حكومة "محاصصة طائفية، تعيد إنتاج ذات التركيبة التي أوصلت البلاد إلى مستويات من الانهيار الاقتصادي وتردي الخدمات بسبب الفساد وسوء الادارة".

وبقي احتمال فشل الكاظمي في تمرير حكومته قائماً حتى الساعات الأخيرة قبل الجلسة، وذلك بسبب اعتراض كتل شيعية على بعض المرشحين والمطالبة بتغييرهم، وهو ما اضطر الكاظمي لتغيير ثلاثة مرشحين في اللحظات الأخيرة قبل بدء التصويت.

"البيت الشيعي"

ويعكس مخاض تمرير الحكومة تصدعات قد تترك أثرا كبيرا على مستقبل المكونات السياسية في البيت الشيعي العراقي وتحالفات أحزابه وكتله.

وكان أبرز المعارضين لتشكيلة الكاظمي هو رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي الذي يملك 24 مقعداً في البرلمان، والذي كان يعوّل بحسب ما أكد المتحدث باسمه بهاء النوري على أن ينضم اليه ائتلاف "الفتح" برئاسة حليفه هادي العامري، ورئيس البرلمان وبعض الأطراف الكردية في رفض التشكيلة الحكومية.

وأكد النوري أن سبب رفض "دولة القانون" للمرشحين يعود لوجود "إشارات بالفساد" تطال مجموعة كبيرة منهم دون أن يذكر احداً بالاسم.

لكن مصادر مطلعة على مفاوضات الكاظمي مع الكتل السياسية قالت لبي بي سي إن تحفظات المالكي لا علاقة لها بما ذكره المتحدث باسمه عن ملفات فساد، وإنما لإصرار "دولة القانون على الحصول على وزارة الداخلية التي رست أخيراً على قائد أركان الجيش الفريق عثمان الغانمي.

ويقول المحلل والخبير الأمني هشام الهاشمي إن المالكي رفض بالمقابل الحصول على وزارة الخارجية، والتي تم تأجيل تسمية مرشح لها مع وزارة النفط لغياب التوافق على أسماء المرشحين.

وتعكس المفاوضات التي جرت، عقب فشل مكلفين سابقين لتشكيل الحكومة، هما محمد توفيق علاوي وعدنان الزرقي، صعوبة التوافق داخل البيت السياسي الشيعي منذ اغتيال القائد في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس.

وكان لسليماني دور كبير في تشكيل الحكومات العراقية منذ الغزو الأميركي للعراق وسقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين عام 2003، وخلف غيابه فراغاً كبيرا في لمّ شمل الاطراف الشيعية التي لم تستطع التوافق حتى اليوم على اختيار خليفة للمهندس.

وقد أدى الخلاف على تعيين أبو فدك المحمداوي إلى تصدعات في الحشد، دفعت لنقل مجموعة من فصائل الحشد الموالية لمرجعية النجف تبعيتها للقائد العام للقوات العراقية أي رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، بسبب رفضها تعيين المحمداوي.

من رئاسة الاستخبارات لرئاسة الحكومة

تم تداول اسم الكاظمي كمرشح يحظى بقبول مرجعية النجف منذ انتهاء الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، لكنه يُعتقد أن اتهامات أطراف شيعية له بعلاقات وطيدة مع الولايات المتحدة حالت دون ذلك.

وكان الكاظمي يشغل منصب رئيس المخابرات العراقية منذ العام 2016 في خضم الحرب المكلفة التي عانتها البلاد ضد ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية، وهو منصب يتطلب تنسيقا وعملاً مباشرا مع الولايات المتحدة والتحالف الدولي. ويتطلب أيضا اتصالات مع الكثير من أجهزة الاستخبارات العربية والدولية، وهو ما أمن للرجل شبكة علاقات قوية، استُخدمت ضده من قبل بعض اعدائه في الداخل، ومن بعض الأطراف في ايران بحسب ما أكد لبي بي سي عضو المكتب السياسي لتيار الحكمة فادي الشمري.

يقول الشمري إن أحد أهم التحديات التي تواجه الكاظمي هو "أن يعيد تنظيم علاقة العراق مع إيران دولة بدولة، وليس ملفاً بملف، كما كان عليه الحال في السابق".

وأعرب عن اعتقاده بوجود فرصة كبيرة أمام الكاظمي بالنظر إلى "مقبوليته في إيران الدولة، رغم التحفظات عليه في مؤسسات معينة داخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية".

ولم تعلن إيران على لسان أي مسؤول اعتراضها على تعيين الكاظمي خلال فترة تكليفه، لكن أحد أهم الفصائل المرتبطة بها في العراق اتهمته رسمياً وعلانية "بالتورط أو التواطؤ" في العملية الأميركية التي أدت لمقتل سليماني والمهندس.

وقد أكد محمد محي، المتحدث باسم "كتائب حزب الله العراقي" هذا الاتهام قبل أيام قليلة من التصويت على تشكيلة الحكومة. وقال لبي بي سي إنهم يمتلكون "معلومات وإدلة تؤكد أن هناك تواطؤاً ومشاركة من الكثير من الأطراف والشخصيات، وأن هناك اختراقا واضحا للأجهزة الأمنية والحكومية من قبل المخابرات الأمريكية ومخابرات كثير من الدول الأخرى."

ورغم حدة الاتهامات إلا ان وفدا من الكتائب اجتمع بالكاظمي مؤخراً، وقبل بتشكيله لجنة تحقيق في الاغتيال. لكن الكتائب عادت وقالت في بيان إن الكاظمي "انقلب على الاتفاق" برفضه إعلان اللجنة رسميا والكشف عن نتائج تحقيقاتها للإعلام.

ويظهر تجاهل كتلة "الفتح" برئاسة هادي العامري المقرب من إيران لاتهامات "الكتائب" وموقف "إئتلاف دولة القانون" والمضي قدما بالتصويت لصالح تمرير الحكومة، حجم الانقسام بين حلفاء الأمس وتضارب آرائهم إزاء التحديات التي تعترض البلاد حالياً.

تحديات

وفور إعلان تمرير الحكومة من البرلمان تلقى الكاظمي اتصالا هاتفيا من وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو للتهنئة والترحيب به، بالتزامن مع إعلان واشنطن تمديد أجل السماح للعراق باستيراد الكهرباء من إيران لمدة 120يوماً "للمساعدة في تهيئة الظروف المناسبة للنجاح".

وأعلن السفير البريطاني في بغداد، ستيف هيكي، أن "المملكة تقف على أهبة الاستعداد لدعم حكومة الكاظمي والعمل معه في محاربة داعش والقضاء على فيروس كورونا والإصلاح الاقتصادي والأمني".

وكان رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي وزعيم ائتلاف الوطنية إياد علاوي أكدا تلقيهما رسالة منسوبة لسفارة الولايات المتحدة في بغداد تحذرهما من عواقب عدم تمرير حكومة الكاظمي على التعاون بين البلدين.

ولم تعلق السفارة الأمريكية على هذه التسريبات التي تزامنت مع تداول واسع لنص الرسالة على مواقع التواصل الاجتماعي في العراق.

ويبدو العراق في حاجة ماسة للمساعدة الأمريكية في خضم أزمات متداخلة، إذ يتعين على الكاظمي التعامل مع أزمة اقتصادية باتت تبعاتها تلوح في الأفق، وتسارعت بفعل فيروس كورونا الذي تسبب مع أسباب اخرى في انهيار اسعار النفط الذي يعد المصدر الرئيسي لموازنة العراق.

وتتزامن هذه الأزمة الاقتصادية مع تصاعد كبير كماً ونوعاً في عمليات "تنظيم الدولة الإسلامية" في عدة محافظات في البلاد، وعلى نحو غير مسبوق منذ هزيمته ومقتل زعيمه أبو بكر البغدادي.

ويضاف هذا كله إلى الخطر الأكبر الذي أشار اليه الكاظمي في كلمته في البرلمان، وهو أن يجد العراق نفسه محاصراً وسط أي مواجهة بين واشنطن وطهران، وإن كانت مؤجلة حالياً ، مع استمرار الضغوط التي تتعرض لها إيران داخليا وخارجيا وعلى مستويات متعددة.

 

لاتنسى مشاركة: حكومة مصطفى الكاظمي: هل تحميها توافقات الضرورة؟ على الشبكات الاجتماعية.

المصدر : bbcعربي