ليبيا: هل يخوض أردوغان مغامرة وقودها السوريون؟
متابعات
خلال أقل من شهر تقهقرت قوات "الجيش الوطني الليبي" التي يقودها الجنرال خليفة حفتر من أطراف العاصمة الليبية طرابلس إلى مدينة سرت الواقعة على بعد 450 كيلو مترا شرقي العاصمة، ليخسر دون مقاومة تذكر ما كسبه خلال أشهر عديدة من المعارك.
الانكسارات والهزائم المتلاحقة لقوات حفتر سلطت الأضواء على دور القوى الخارجية في تغيير موازين القوى على الأرض وقضية المقاتلين الأجانب الذين يقاتلون إلى جانب طرفي الصراع الليبي، حكومة الوفاق الوطني التي يقودها فائز السراج وقوات شرقي ليبيا التي يقودها حفتر.
روسيا مقابل تركيا
تعاظم دورا روسيا وتركيا في الملف الليبي في الآونة الأخيرة ويمكن القول إنهما باتتا تتحكمان بمعظم أوراق الملف الليبي رغم استمرار أطراف إقليمية في الاضطلاع بأدوار أقل أهمية في هذا الملف.
لكن ما يلفت الانتباه هو الدور المتعاظم الذي يلعبه المقاتلون السوريون في الحرب الليبية والذي بدأ مع التدخل العسكري التركي في ليبيا دعما لحكومة السراج. لم يتوقف الأمر على المقاتلين السوريين الذين يقاتلون الى جانب حكومة الوفاق، بل برزت مؤخرا تقارير عديدة عن نقل روسيا لمئات المقاتلين السوريين إلى ليبيا للعمل بموجب عقود مع شركة "فاغنر" الأمنية الروسية التي تقاتل وتعمل إلى جانب قوات حفتر وليس من الواضح حتى الآن المهام التي يتولونها هناك.
وقود حرب
يعيش السوريون حالياً، سواء في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بدعم من الجيش التركي أم في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة أوضاعا اقتصادية بالغة السوء والصعوبة لم يعهدوها حتى خلال أعنف مراحل الحرب منذ عام 2011.
الحرب توقفت تقريبا في سوريا وتراجعت الحاجة إلى المقاتلين في سوريا والقوى الاقليمية التي كانت ترسل الأموال والأسلحة إلى سوريا وتمول المقاتلين أيضا تعاني أوضاعاً اقتصادية صعبة في الوقت الراهن ولم تعد مهتمة كثيراً بما يجري في سوريا. المؤيدون للأسد ضمنوا انتصاره وبقاءه في الحكم الى أجل غير مسمى وتركيا لم تعد معنية برحيل الاسد كثيرا ومشغولة بقضايا أخرى.
يواجه المقاتلون السورين مستقبلا مجهولاً واوضاعا معيشية صعبة
عندما لاحت لتركيا فرصة إقامة موطئ قدم لها في ليبيا أواخر العام الماضي، استغلت هذه الظروف ونشطت عبر الفصائل العسكرية السورية الموالية لها وشخصيات من المعارضة السورية لتجنيد آلاف المقاتلين السوريين للقتال في ليبيا عبر تقديم اغراءات مالية كبيرة لهم.
كما انضم إلى هؤلاء شبان سوريون يعيشون في تركيا بسبب الأوضاع المزرية التي يعيشونها هناك.
وتتكرر المعارك والاشتباكات بين الفصائل السورية المسلحة في المناطق التي تنتشر فيها في سوريا بسبب الصراع على مصادر الدخل المحدودة التي توجد في هذه المناطق وعلى عمليات النهب، خاصة بعد تراجع الدعم التركي المالي لهؤلاء المسلحين، فباتت خياراتهم محدودة للغاية، فكانت ليبيا وجهة الألاف منهم من أجل الكسب المادي.
وتشير معظم التقديرات إلى أن عدد المقاتلين السوريين الذين أرسلتهم أنقرة إلى ليبيا حتى الآن يتجاوز عشرة آلاف مقاتل.
وصلت طلائع هؤلاء المقاتلين أواخر العام الماضي بعد خضوع البعض منهم للتدريب لفترة قصيرة في معسكرات داخل تركيا. أما عناصر الفصائل المقاتلة الموالية لها فتم نقلهم من سوريا إلى المطارات التركية وبعدها إلى ليبيا فوراً بوساطة طائرات مدنية.
ترافق وصولهم مع تعزيز تركيا لدعمها العسكري لحكومة السراج عن طريق إرسال مدرعات ومستشارين وضباط وطائرات مسيرة وأنظمة تشويش ودفاع جوي. وتحدثت تقارير عن مشاركة بوارج حربية تركية في المعارك ضد قوات حفتر.
بوتين وأردوغان يخوضان صراعين بالوكالة في كل من سوريا وليبيا رغم العلاقات القوية التي تجمعهما
وسردت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية قصة أحد هؤلاء المقاتلين وهي لا تختلف كثيراً عن قصص معظم المقاتلين أبناء بني جلدتهم في ليبيا. وقال المقاتل الموجود حاليا في ليبيا إنه من أبناء مدينة حمص وسط سوريا وانتقل إلى مدينة حلب بعد خروج مقاتلي المعارضة من حمص عام 2014 وأضاف: "أنا وزوجتي وأطفالي الأربعة نعيش في خيمة وليس بمقدوري بناء غرفة لنا تقينا من البرد والحر. عندما أنجبت زوجتي مولوداً لم أكن أملك ثمن الحليب. في عام 2018 قاتلت مع الجيش التركي للسيطرة على منطقة عفرين الكردية وكان الأتراك يقدمون لي 450 ليرة تركية شهرياً ( 70 دولار أمريكي تقريبا) أما في ليبيا فقد كسبت خلال أربعة أشهر أكثر مما كسبته خلال كل الفترة التي قاتلت فيها بسوريا، فأنا أحصل على ألفي دولار شهرياً".
ليس كل المقاتلين السوريين في ليبيا يقاتلون من أجل الكسب المادي فقط، فلا يعدم أن يكون هناك مقاتلون توجهوا إلى هناك بدافع عقائدي في المقام الأول، إذ أن أغلب الفصائل السورية المعارضة ذات توجهات إسلامية وتدور في فلك الإسلام السياسي.
كما أن هناك فئة اخرى من المقاتلين السوريين من أصول تركمانية وهم موضع ثقة تركيا أكثر من غيرهم، يقاتلون إلى جانبها أينما كان من منطلق قومي.
طرافا الصراع الليبي باتا في موقف أضعف مقابل تعاظم دوري روسيا وتركيا
وقالت صحيفة الغارديان البريطانية في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي إن المرتزقة السوريين وقعوا على عقود مع حكومة الوفاق الوطني في طرابلس للقتال لمدة ستة أشهر إلى جانب قواتها وأن تركيا تتكفل بنفقات علاج الجرحى وإعادة جثامين القتلى منهم إلى سوريا ومنحهم الجنسية التركية في نهاية المدة.
وخلال أشهر قليلة تغيرت موازين القوى على الأرض لصالح حكومة السراج التي باتت في موقع أقوى وأفضل في أي مفاوضات مستقبلية للوصول إلى تسوية تقرر مصير ليبيا التي تملك أكبر احتياطي نفطي في القارة الافريقية وشريطاً ساحلياً على البحر الابيض المتوسط بطول ألفي كيلو متر ومساحة من الارض تبلغ 1.8 مليون كليو متر مربع بينما عدد سكانها أقل من سبعة ملايين نسمة.
مصدر الصورة
بعد الهزائم المتتالية توجه حفتر الى القاهرة واعلنت مصر مبادرة لوقف اطلاق النار التي رفضتها حكومة السراج
ويمكن أن يمهد الوجود العسكري التركي في ليبيا الطريق أمام أنقرة لتعزيز نفوذها في هذا البلد والمشاركة بفعالية في مشاريع إعادة البناء مستقبلا، كما قد يؤسس لها قاعدة لتوسيع وتعزيز مصالحها الاقتصادية في القارة الأفريقية وتجاوز معضلة المرور عبر قناة السويس.
إن التدخل التركي في ليبيا أقل كلفة مالياً وعسكرياً، وقد يكون له مردود كبير، مقارنة بما تحملته من أعباء مالية وبشرية وعسكرية جراء الصراع السوري.
وإذا استطاعت تركيا الحصول على موطئ قدم لها في ليبيا الغنية وبالنفط والغاز سيضمن لها ذلك مصدراً مستقراً ومضموناً من النفط والغاز الذين تفتقر اليهما بشدة، وستصبح في موقف جيو سياسي أفضل بكثير.
إن أي تسوية للازمة الليبية بعد الآن لن تكون بغياب أنقرة عن طاولة المساومات والمفاوضات إلى جانب روسيا، وضمان مصالحهما سيكون محور مساعيهما. وهكذا سيناريو يقوي موقع تركيا في صراعها على النفوذ مع القوى الاقليمية الأخرى التي تخشى التحالف التركي مع قوى الإسلام السياسي في الدول العربية.
ذات المنوال
تجنيد السوريين كمرتزقة للقتال في ليبيا لا يقتصر على تركيا بل تسير روسيا على نفس المنوال منذ مدة.
فقد نقلت وكالة أنباء رويترز عن أكثر من مصدر معارض سوري إلى نشاط محموم يقوم به ضابط روس في سوريا لتجنيد السوريين للقتال في ليبيا وبينهم عدد كبير من المقاتلين السابقين في صفوف المعارضة الذين أبرموا تسويات مع الحكومة السورية مقابل إلقاء السلاح.
ويتركز الجهد الروسي في هذا الصدد على منطقتين هما جنوب سوريا وشرقها.
وتقول أوساط المعارضة السورية إن الروس يقومون بتجنيد هؤلاء المقاتلين للعمل مع شركة فاغنر الأمنية الروسية التي تعمل في شرقي ليبيا الى جانب قوات حفتر منذ عام 2019، تحت ستار القيام بأعمال حراسة لمنشأت النفط في شرقي ليبيا. وأشارت رويترز في تقرير حصري لها إلى تسارع حملة التجنيد الروسية خلال مايو/ أيار الماضي حيث تم توقيع عقود مع مئات المرتزقة.
وتم تدريب المقاتلين في قاعدة في محافظة حمص وسط سوريا قبل التوجه إلى ليبيا وبحسب المصادر تتراوح رواتب المجندين ما بين ألف إلى ألفي دولار شهرياً للشخص.
وسبق أن أكد موقع "الجسر" السوري المعارض في 13 أبريل/ نيسان الماضي "عمليات التجنيد التي بدأت بها روسيا، في محافظة القنيطرة الجنوبية، لشبان من أبناء المحافظة، من أجل إرسالهم للقتال في ليبيا، إلى جانب قوات حفتر ضد حكومة الوفاق، وذلك مقابل إغراءات ماليّة كبيرة وتسوية أوضاع المطلوبين بقضايا أمنية".
وقالت صحيفة الشرق الاوسط السعودية في تقرير مفصل نشرته يوم 7 يونيو/حزيران الحالي عن المرتزقة السوريين في ليبيا إن "الظروف الاقتصادية السيئة وانتشار الفقر والملاحقات الأمنية، خلقت جواً ملائماً لطرح إحدى الشركات الأجنبية ( فاغنر ) مشروعها لكسب شباب سوريين وتجنيدهم بإغراءات مادية وسلطوية، ونقلهم للقتال في ليبيا".
ونقلت الصحيفة عن مصادر قولها إن "وكلاء شركة أجنبية وضباطاً من النظام اجتمعوا مع عدد من أبرز قادة المعارضة سابقاً في درعا الشهر الماضي، في محاولات منهم لإقناعهم بتجنيد الشباب وإرسالهم إلى ليبيا بمهام مختلفة، منها قتالية، يكون راتب المتطوع فيها 1500 دولار أميركي، أو بمهمة حماية المنشآت النفطية براتب 1000 دولار".
كما جرت عمليات تجنيد مماثلة في محافظة دير الزور شرقي سوريا قام بها مندوبون عن القوات الروسية في سوريا.
وقال موقع "دير الزور 24 " المعارض في 3 يونيو/ حزيران الحالي إن مندوبين عن الروس التقوا بمجموعة من أبناء المحافظة لاقناعهم بالعمل في ليبيا لحماية منشآت النفط هناك مقابل مرتب شهري يصل لأكثر من ألفي دولار لكل متطوع
ذكرت تقارير أن الضباط الأتراك يتولون إدارة المعارك وضبط المقاتلين الليبيين الذين ينتمون الى فصائل متعددة
وتحدثت بعض التقارير عن وجود مقاتلين سوريين في صفوف مجموعة فاغنر أثناء المعارك الأخيرة في جبهات طرابلس. فعندما انسحب أفراد المجموعة من ضواحي طرابلس إلى مطار مدينة "بني وليد" الواقعة على بعد 180 كيلو مترا جنوب شرقي طرابلس قال عمدة المدينة إن سوريين كانوا في صفوف المرتزقة الروس الذين انسحبوا فيما بعد من المدينة.
ولا يمكن تأكيد هوية هؤلاء المقاتلين من مصدر مستقل وقد يكونون من جنسيات عربية أخرى، إذ أشارت بعض التقارير إلى وجود عناصر أردنية مع هذه القوات.
فشلت كل المساعي والجهود التي قامت بها الأمم المتحدة والأطراف الدولية والاقليمية في إيجاد تسوية ترضي جميع الأطراف بل زاد حجم التدخل الخارجي العسكري في الشأن الليبي رغم حظر السلاح الذي تفرضه الامم المتحدة على ليبيا.
وباتت القوى والأطراف الليبية المتصارعة رهينة تحالفاتها وارتباطاتها الاقليمة والدولية وهو ما يجعل من امكانية التوصل الى حل للأزمة الليبية اكثر صعوبة وتعقيدا.
ومع تضاؤل هذه الفرصة واستحالة الحسم العسكري قد يصبح تقسيم ليبيا الى منطقتين أمراً واقعاً، منطقة تحت الحماية التركية وأخرى تحت الحماية الروسية.
لاتنسى مشاركة: ليبيا: هل يخوض أردوغان مغامرة وقودها السوريون؟ على الشبكات الاجتماعية.
التعليقات (0)
أعجبني / لايعجبني
ماهو تفاعلك مع هذا ؟