بائعة الخضار

بائعة الخضار
بائعة الخضار

 

بقلم / أحمد عبدالحق الإبراهيمي

رجل يستهجن جلوس امرأة لبيع الخضار على الرصيف ، يتسائل مستنكراً : "أنتي بنت ناس ولا مهمشة"؟؟!!

ولطالما اعتقدنا أن الطبقية ونظام الفرز العنصري قد انتهى في مجتمعنا.

اليوم شعرت كم أن الأمر ألمٌ خالص، ربما لأن عيونها كانت حمراء مثل «امرأة» تم طردها للتو، وربما لأننا لم نعد قادرين على الشعور بالمهانين بمعزل عن مهنتنا الإنسانية تجاههم.

 كان المطر قد بدأ يهطل وهي تجلس مضرورة للغاية، وفي حضنها رضيع تخبئه بالنصف الأسفل من شرشف يبدوا من ذلك النوع الذي ترتديه بنات الرعية المخلصات المتفانيات الأقل جمالاً. 

العمل قيمة سامية ومبعث احترام، لكن ومن وجهة نظره هو أمر غير لائق ، وبالتالي يحتمل أن الجالسة تحت المطر ليست "قبيلية" ، لايهم ما إن كانت تعيل أسرة أو تناضل لأجل أيتام ، المهم الا تكون بنت فلان وسيكون الأمر مفهوماً.

يدور الأمر هنا حول كم أن هناك امرأة متروكة على أي رصيف من شوارع المدينة، وكان المطر يهطل وأنا أستحضر من خلال عذابها أي مجرم مسئول عما لحق بها فلا أجد.

وحين يغيب مبعث كارثة إنسانية ويغيب المجرم لا يبقى لديك سوى التفكير بكلمة عيب أو مروءة، فكرت أيضاً في الاعتذار وإذا به يتحول إلى ممكنٍ وحيد لأجل هذه السيدة المذلة للغاية. 

أي مبلغ مالي قد تضعه في يدها يدفع بكرامتها إلى ما تبقى من الحضيض بعد أن نزلت عليها كلمات الرجل كالنار، وكيف تجبر خاطرها مثلاً بشراء كمية كبيرة، وأي نباهة إنسانية في تلك اللحظة بالغة الخصوصية إنما هي ذلك النوع من الرياء والتحاذق.

 لقد وصل عدد كبير من اليمنيات إلى تلك المرحلة التي تخلى فيها العيب عن المرأة في منتصف الطريق، وبلا أي أمل يذكر في الحصول على مكاسب وحوافز العمل الحقوقي النسوي.

فقد كانت المرأة -وهي ليست عجوزاً تماماً، وليست سوداء- تجد حماية أخلاقية ما، ويقابَل ذُلها بردة فعل رجولية خالصة. هذه السيدة التي في "سوق المركزي"، أثناء هطول المطر، تكشف عن اضمحلال فكرة الضمير الرجولي (على بدائيتها) وبداية اعتياد القبول بالكوارث الناشئة عن الفقر، وكأنه نوع من انكشاف كل شيء أمام تطور فكرة الفقر من حالته البدائية التي ارتبطت بالرزق والمكانة فحسب إلى نوع من التدريب على دفع ثمن أخلاقي لفقر لم يكن يترتب عليه أي انتهاك. وكأننا نتعلم فقط لنصبح مستعدين لدفع الثمن، ويشبه الأمر هنا قصة قرية كانت آمنة تحت ظلال الأساطير البدائية، وحين قطعوا النخلة وجدت القرية نفسها تحت رعب الشمس. 

يمكن العودة إلى الفكرة الأساسية وهي أنه لم يعد هناك مسئول عن عذابات أغلب الناس، وقد أصبح على تلك المرأة أن تتعذب بطريقة جديدة في غمرة اعتيادنا.

بعض الحاضرين أثناء صراخ الرجل عليها اسكتوه وتضامنوا مع المرأة ، هذا جيد، أتحدث هنا عن التساؤل العنصري ودلالاته والتعريف الأخير في وعينا المجتمعي المنقوص.

وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أننا لم نتعلم الدرس من كل هذا الخراب.

وأهم حقيقة من هذه الحرب أننا لم نكن جاهزين أن نأخذ منها دروساً. فاغلب الشخصيات المحورية في مجتمعنا تافهة، جشعة، رديئة، ولا تتورع عن الاستنقاص.

فيهم السلالي أو المناطقي أو الطائفي أو القروي وجميعهم انتهازيون وحاقدون، ولا استثناء بينهم ابداً.

لاتنسى مشاركة: بائعة الخضار على الشبكات الاجتماعية.