المجال السياسي العام وسيطرت الدين والسلطان .
فهمي محمد
الدولة المدنية لم تكن سوى تطور تاريخي لمفهوم الدولة المؤسسية او دولة القانون على إعتبار ان هذه الاخيرة كانت اختراع إنساني في حقل السياسة بهدف معالجة مشكلة السلطة ومغامرة الحاكم المتسلط على رقاب المواطنيين .
لذلك كان اختراع الدولة المؤسسية كفكرة يعد تطور تاريخي على صعيد تحويل مفهوم السلطة من كونها امتياز شخصي الى كونها ممارسة وظيفية مؤسسية محكومة بسلطة القانون وهو مايعني فض حالة الاشتباك القائم بين الاشخاص الحاكمين بذواتهم وبين السلطة العامة. بينما أتت الثانية ( الدولة المدنية) كتطور لا حق بهدف معالجة الاحتقان الاجتماعي حين بدأ المجتمع الانساني يتطور ويعبر عن نفسه بمكونات سياسية وحزبية تحمل مشروعا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وتسعى في نفس الوقت الى حيازة السلطة العامة لاسيما تلك المجتمعات التي حققت تقدما على صعيد مفهوم الحرية بالمعنى الواسع القائم على شرعية الأنا والآخر المغاير والمعارض ( المجتمع الاوروبي نموذجا ) لذلك كان نظامها السياسي ( أي الدولة المدنية) نظام ديمقراطي يعكس حالة التعدد القائم في المجتمع .
في كل الاحوال لم تكن الدولة بالمفاهيم السابقة مؤسسية ومدنية قادرة على الوجود ورؤية النور في تلك المجتمعات لولاء نجاح تلك المجتمعات إبتداءً في صناعة مجال سياسي عام مستقل قائم في الاساس على مفهوم السياسة بما هي سياسة مدنية وعلم مدني مستقل بذاته ، وقد حدث ذلك بعد نضال شاق وصراع طويل بين سلطة اهل الفكر والتنوير وبين رجال السلطة المستبدة ( دينية كانت او زمنية ) وهو الصراع الذي أنتهى بانتصار المجتمع لمفهوم السياسة كعلم مدني وتحرير المجال السياسي العام من سيطرة الدين والسلطان .
مايجب ان يلاحظ ان هذا الانتصار لمفهوم السياسة في المجتمع الاوروبي قام في الواقع على أساس صلب ومتين بحيث تزامن النجاح في تأسيس مجال سياسي عام مستقل عن سيطرة الدين والسلطان مع وجود نظام ثقافي ومعرفي مدني مترسخ في ثقافة الجماعة ومتأصل في سلوك الافراد ( ثقافة سياسية مدنية) وكذلك حدوث تغيير جذري في نمط الانتاج اقتصاديا هذا اذ لم يكن الاول نتيجة طبيعية لوجود الثاني في حياة المجتمع .
ما يفهم من هذا السياق استحالة قيام دولة مدنية في مجتمع تقليدي يحتكر الدين او السلطان مجاله السياسي العام ناهيك عن ان القيم المدنية لم تشكل بعد نظامه الثقافي والمعرفي والقول بغير ذلك يعني امكانية تربيع الدائرة بمعجزة .
تقول التجربة التاريخية في اليمن انه اكثر المجتمعات التي احتكر الدين والسلطان مجاله السياسي العام ومازالت مكوناته الفاعلة في قاع المجتمع تقدم الدين مشروع سياسي بل وتحول الدين من عقيدة روحية تعبدية الى عقيدة سياسية لنظام حكم كما هو الحال مع مشروع المسيرة القرأنية والمشروع السلفي وكذلك مشروع التيار السروري او بقاياء حركة الاخوان داخل حزب الاصلاح .
وفي المقابل فإن الاحزاب اليسارية والقومية التي لاتجعل من الدين عقيدة سياسية اصبحت غير قادرة على النضال بعيد عن التماهي والانتصار لمفهوم السياسة .
وحتى عندما يتم توظيف الدين في خدمة السياسة لا يعني ذلك الانتصار لمفهوم السياسة كعلم مدني على حساب الدين في المجال العام بقدر ما يعني ذلك توظيف الدين فقط في تبرير استبداد السلطان واحتكاره للمجال السياسي العام .
الحديث عن صعوبة تحقيق الدولة المدنية في اليمن لا يعني الاستحالة المطلقة بقدر ما يعني ضرورة الوقوف امام نجاعة الادوات الثورية القادرة على تغيير قاع المجتمع وليس الإكتفا بقصف رأس السلطة او النظام فحسب ـ
فهل نحن في اليمن بحاجه الى ثورة ثقافية على المستوى الافقي اجتماعيا ام الى ثقافة الثورة على المستوى العمودي سياسيا حتى نتمكن من الانتصار لمفهوم السياسية اولاً ؟
لاسيما وإن السياسة هي حجر الاساس في بناء الدولة بكل اشكالها .
لاتنسى مشاركة: المجال السياسي العام وسيطرت الدين والسلطان . على الشبكات الاجتماعية.
التعليقات (0)
أعجبني / لايعجبني
ماهو تفاعلك مع هذا ؟