واقِعٌ مُلغم

واقِعٌ مُلغم
واقِعٌ مُلغم

 

بقلم / أحمد عبدالحق الإبراهيمي

كنت قد أخبرتها أنه لم يعد هناك رغبة في الصراخ بوجه التخلف الممنهج ؛ هكذا خطر لي أكثر من مرة في لحظة نضج ، إذ يبدُ لي أن أي تحفيز للبعض عملاً مفتقراً للمنطق، خاصة حين يكون حديثك مع فتاة بدأت كلامها هكذا:" أنا وفتيات غيري أصبحنا عناوين لخطب جمعة، بعد أن ظهرنا ونحن نمثل في المسرح".

أسوأ مافي هذه الحياة أن تباغتك مدينة بمنتقد نرجسي وجاهل يبيع كل يوم الوهم لمئات الناس محاولاً إعادة الحياة الى ما قبل الفين سنة، ويراك من فوق خيل وكانه الفارس الوحيد وحامي الفضيلة.

هي فقط لديها حلم أن تحترف التمثيل المسرحي والتلفزيوني وقد قطعت شوطاً كبيراً فيه.

وحين أسديتها نصيحه بأن تتجاهل كل هذا وتمضي قُدماً أجابت بما معناه: مثل هذا الكلام أصابني بمقتل في وعيي، إني قليلة الحيلة حد التأرمل ، هذا الخطاب المتطرف ضد كل ماهو مدني وثقافي يؤرمل إحساسي ويدفعني للبكاء الصامت والتحديق في الأرجاء بحثاً عن قوة إلهية وأشياء لها علاقة برثاء الذات ومحاولة السعي وراء الثقافة والفن، في مدينة كانت حتى زمن قريب رمزاً للثقافة والفن والان لم تعد كذلك.

أنا لا أعرف لماذا يتصرف البعض هكذا وبإصرار ومزاج يخلو من احترام العرف والعادات، لم يعد بيننا وبينهم ماهو سياسي، ولقد أحالنا أسلوبهم لتلك الرجاءات العاجزة أن يكتفي شخص ما من توبيخك مستخدماً كل مصطلحات التعنيف، أن يتشبع ويقول لنفسه: يكفي .

أشياء كثيرة تحول بيني وبين نقل صورة فتاة قلبها متعافي ووجودها متضرر وطموحها المكبوت يخرج من العيون.

ولو أنه كان حديثاً بالصوت لأخبرتكم عن تعابير عينها اليمنى بعد أن نزعت نظارتها وأفصحت عن عور عالم غبي صذفها بشظية حديدية في الطفولة وبقي افتتان وبساطة قرى تعز الجميلة وإصرارها على الحلم وهي تعيد صياغة ما قاله عنها:" رجال شرفاء بينهم أمراة".

لأنها كانت فتاة وحيدة بين فريق ضم نخبة من ألمع نجوم التمثيل المسرحي في اليمن فهم الشرفاء وهي الأمراة.

هذا التشكي المدلل والنرجسية تجاه الفن والابداع هو فقط ما يقتسمه المتخلفون بعدالة ، بين الشيخ والمواطن وأستاذ الجامعة والناس العاديين.

هذه البلاد اقترعت وشاركت العالم الحر تجربته الديمقراطية ولو في حدودها الدنيا، هذه البلاد ثارت وتحملت أعباء حرب وصلت كل البقاع فيها، وقدمت تلك التجربة الإنسانية لكل الشعوب التي هربت من الحرب الى الفن، للنساء والرجال، وللفتيات والشباب، وللفقير الذي منح المكان الذي وصل إليه ثروة. 

هذه البلاد تعج بالحشود ذكوراً وأناثاً ممن تعلموا ليختاروا حياة لائقة بتاريخهم وإنسانيتهم ومستقبلهم وليشبهوا مستقبل بلاد فخختموه بعنادكم الملعون.

لاتنسى مشاركة: واقِعٌ مُلغم على الشبكات الاجتماعية.