قصص من قلب المعاناة

نعائم خالد
كان الجو حارًا جدًا، والشمس تلقي بأشعتها الحارقة على شوارع المدينة. كنت في طريقي، أشعر بالتعب والعطش، وفجأة لمحت بائع الآيس كريم يقف بجانب الرصيف. ناديت عليه: "تعال، أريد أن أشتري!"
اقتربت منه، وإذ بي أرى رجلًا كبيرًا في السن، يكسو وجهه وقار وعفة، لكن التعب والإنهاك كان واضحًا عليه. اشتريت منه الآيس كريم، ورغم حالته، كان يتحدث بلطف وبأسلوب يدل على أنه متعلم. فتحت فضولًا وسألته عن عمله، وكانت المفاجأة: إنه مدرس، ولكنه ليس مدرسًا عاديًا، بل مدرس لغة الإشارة.
أخبرني أنه يعيش في الطرقات وينام على متن سيارة هيلوكس قديمة لأحد أصدقائه. كان يبيع الآيس كريم ليعيل بناته وابنه وزوجته، الذين حُرم من رؤيتهم بسبب غلاء المعيشة. ورغم راتبه الذي يبلغ 95 ألف ريال، إلا أنه لا يكفي حتى للإيجار. يعيش مع أهله، وحتى بيع الآيس كريم لم يكن كافيًا لتلبية احتياجاتهم.
كان يتحدث وهو يضحك، لكن في عينيه كنت أرى حرقه قهر وكبرياء إنسان. تذكرت المدرس الآخر الذي أتعامل معه يوميًا، رجل بسيط يعمل على دراجته النارية. لم أكن أعلم أنه مدرس إلا صدفة. فاجأني بعبارة هزت مشاعري: "نسينا أن هناك ثلاث وجبات في اليوم." صمتت، وكانت كلماته كزلزال في قلبي، تعبر عن معاناة أمة دفنت تحت أنقاض الحروب والفقر.
لم تنتهِ الحكاية هنا، بل استمرت في مسلسل متعب. كنت أسير في الشوارع، أرى أطفالًا يحملون دلوًا من الماء، بدلاً من حقائب الدفاتر للبحث عن العلم. بجانبهم، كانت النساء يبحثن عن الماء، في مدينة تعز التي سمعنا عن حفر آبار فيها، لكنها لا تكفي لخدمة المجتمع المنهك من ويلات الحرب.
انتظرت حكاية أخرى مرتبطة بالعسكري الذي ارتفعت رتبته حتى عميد، لكنه لا يكفي راتبه لشراء الماء لشربه. إن اشترى الماء، لا يبقى له شيء لمصاريف المأكل والملبس وتعليم الأطفال، ناهيك عن الإيجار. كل موظفي الدولة عاجزين عن تلبية احتياجاتهم الأساسية في وطن يُدعى "اليمن السعيد".
وفي ختام الحكاية، أدركت أن الكثير من الناس في هذا الوطن يعانون، حتى من لا يجد عملًا وأصبح عالة على نفسه وأسرته. هذه الحكايات ليست سوى جزء من واقع مرير، لكنني سأظل أرويها.
فانتظروا معي حكايات من قلب المعاناة، وناموا بسلام آمنين إذا وُجد ضميرٌ حي.
لاتنسى مشاركة: قصص من قلب المعاناة على الشبكات الاجتماعية.
المزيد من الصور حول قصص من قلب المعاناة:
التعليقات (0)
أعجبني / لايعجبني
ماهو تفاعلك مع هذا ؟