الدوري بعد كورونا... أوزانٌ ثقيلة ولياقةٌ معدومة
الشغل الشاغل لمحبي كرة القدم اللبنانية اليوم هو الحديث عن موعد عودة الحياة إلى الملاعب. أمرٌ دونه عقبات كثيرة طبعاً بفعل التأثيرات السلبية للأزمات المتتالية على اللعبة، وأخطر نتائجها بلا شك تلك التي أصابت اللاعبين مباشرةً لا على الصعيد المالي بل لناحية نظيره الفني، الأمر الذي لا يبشّر بالخير أبداً
جولة على الصفحات الشخصية لبعض لاعبي الدوري اللبناني لأندية الدرجة الأولى، تترك المرء أمام أسئلة عدة، فينتقل النظر مباشرةً للتحقّق من تاريخ الصور الأخيرة التي نشرها بعضهم. صورٌ يظهر فيها لاعبون معروفون وقد زادت أوزانهم بشكلٍ لا يصدّق، وهي مسألة تعكس سؤالاً عريضاً حول الوضع الفني العام الذي ستكون عليه اللعبة ما أن تعود الكرة إلى الدوران.
الأكيد ووفقاً لمعرفة المتابعين بشؤون وشجون لاعبي الكرة في لبنان أن الأكثرية الساحقة منهم تحتاج إلى إعادة تأهيلٍ بدني فور إقرار العودة إلى الملاعب، وخصوصاً أن الملاحظ هو فقدانهم لعنصرٍ أساسي في كرة القدم وهو اللياقة البدنية.
هي مشكلة ليست مفاجئة بالتأكيد، إذ أن اللاعب اللبناني يعيش وفق نظام غذائي عشوائي، من دون الانتباه إلى مدى التأثير السلبي لتناول المأكولات والمشروبات المضرّة بالعضلات أو بجسم الرياضي. هنا، يختلف المشهد تماماً عن عالم الاحتراف الذي نعرفه، وقد تجلّى بأبهى صوره خلال تفشّي وباء كورونا في أوروبا وملازمة اللاعبين لمنازلهم، حيث لعبت الأندية دوراً أساسياً أيضاً في إبقاء الجهوزية البدنية للاعبيها في مستوى مرتفع أو أقلّه مقبول.
هناك في «القارة العجوز» وحيث البطولات الوطنية الكبرى، تابعت الأندية عبر مدربيها شخصياً كيفية تعامل اللاعبين مع أسلوب حياتهم الجديد في الحجر المنزلي، إذ خصّصت ساعات مع مدربي اللياقة البدنية والمعدّين المتخصصين لإيصال أفضل البرامج التدريبية من دون تعقيدات كبيرة. حصصٌ كثيرة أقيمت عبر تقنية الاتصال بالفيديو، ورسائل إلكترونية أكثر وصلت إلى اللاعبين وتتضمّن صفحات عدة للتمارين التي يمكن تطبيقها في المنزل، وهو ما سهّل من مهمّة المدربين عند العودة وحمى اللاعبين نسبياً من مشكلة التعرّض للإصابة بشكلٍ سريع. كما لا يخفى أن الأندية راقبت النظام الغذائي للاعبيها، لا بل إن قسماً لا يُستهان به منها حرص على إيصال وجبات غذائية يومية إلى لاعبيه وبحسب ما يحتاج له جسم كل واحدٍ منهم.
أين نحن من كل هذا؟ يضحك أحد اللاعبين الأساسيين في فريقٍ طليعي عند طرح هذا السؤال عليه، فيقول إنه لم يتلقَّ حتى اليوم اتصالاً من أحد إداريي ناديه ليسأله عن وضعه الفني ـ البدني بل حتى لم يسأل أحد إذا ما كان لا يزال على قيد الحياة.
طبعاً، مزحة ربما تعكس حقيقة الأمر الواقع عند الحديث عن أحوال اللاعبين، حيث تبدو العلاقة بين الأندية والأكثرية منهم علاقة موسمية ترتبط فقط بمواعيد انطلاق البطولات وبصافرة نهايتها. هي مسألة ليست مستغرَبة، ففي نهاية المطاف لا تزال كرة القدم وأنديتها تدور في فلك الهواية حتى لو وقّع بعضهم على عقودٍ سُميّت بالاحترافية لأنها فقط حدّدت تاريخ الارتباط والمبالغ المتّفق عليها، لكن من دون أن تلحظ الجوانب الأخرى لعالم الاحتراف، وما أكثرها.
التمارين خارج التداول
أكثر من عيّنة استطلعتها «الأخبار» لمعرفة الوضع البدني العام للاعبين اللبنانيين خلال فترة الحجر أو خلال توقّف النشاط منذ أشهرٍ عدة.
العيّنة الأولى التي حاكت أكثر من 30 لاعباً في دوري الأضواء أظهرت أن 67% من اللاعبين توقّفوا كليّاً عن التدرّب بعدما نشطوا في فترةٍ أولى في ممارسة تمارين فردية. أمّا السبب فيتمحوّر أولاً حول إغلاق صالات اللياقة البدنية وبعض الملاعب التي كانت تؤمّن مساحة، أقلّه للجري. أما السبب الثاني فهو الخوف من كورونا، إذ عمد البعض إلى ممارسة الركض على الطرقات أو الكورنيش البحري، لكنهم عدلوا عن هذا الأمر خوفاً على الإصابة بالعدوى.
واللافت في هذا الإطار أن نسبةً لا تصل إلى الـ 10% حتى من اللاعبين الذين أخذتهم هذه العيّنة بعين الاعتبار، لا يزالون يقومون ببعض التمارين حتى لو في المنزل، لكن بشكلٍ متقطّع لا يومي وبطريقةٍ مزاجية، وهو أمر أعاده بعضهم إلى التعب الذي يشعرون به أحياناً جرّاء صيامهم.
نظام غذائي غائب
وفي هذه الفترة بالتحديد، برزت مشكلة أساسية كشفت عنها عيّنة أخرى، تمّ التركيز فيها على مسألة التغذية الضرورية والصحيحة. هذه العيّنة تشمل ما يقارب الـ90% من اللاعبين الذين تخطى عددهم الـ25 لاعباً وقد صارحوا أنه وفي ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة، لم يعد بمقدورهم اتّباع نظامٍ غذائي محدّد أو أن يكون لديهم اختيار في ما خصّ نوعية الوجبات التي يتناولونها يومياً، بل إنهم أصبحوا يتصرّفون مثلهم مثل أيّ فردٍ من عائلاتهم، أي إنهم يتناولون نفس المأكولات التي يتمّ تحضيرها للجميع في المنزل الواحد.
ويعتبر 58% من هؤلاء أن تقاطع شهر رمضان المبارك مع توقّف التمارين كليّاً، وازدياد الصعوبات، ساهم أيضاً في ازدياد أوزانهم، خصوصاً أنهم يقضون الليل في السهر لعدم التزامهم بأيّ عملٍ أو تمارين في اليوم التالي، ما يعني أن جلساتهم تترافق مع تناولهم للمزيد من الأكل، وهو ما ترك تأثيره الواضح على أوزانهم.
لطالما كان نسق اللعب البطيء والممل مشكلة الكرة اللبنانية في المواسم الأخيرة
وإذا كان البعض من هؤلاء اللاعبين يتناول الموضوع من ناحية المزاح، مقابل انزعاج البعض الآخر مما وصلت إليه حاله، فإن الأمر يبدو جديّاً إلى أبعد الحدود بالنسبة إلى أيّ أحدٍ يتطلع إلى المشوار المقبل للاعبين وللموسم الكروي. وهنا تسقط كل الإحصاءات، إذ لا يمكن الحديث عن أرقامٍ تصوّب مثلاً على نسبة تسجيل الأهداف في الأشواط الأولى مقارنة بالثانية للدلالة على هبوط مستوى اللياقة البدنية للاعبين غالباً في القسم الثاني من المباريات كما يقول البعض. والحديث هنا يُختصر بمشكلة عرفها الدوري في الأعوام القريبة الماضية، وجعل بعض المباريات مملةً إلى أبعد الحدود لدرجة ترك مشجعون المدرجات في مناسباتٍ عدة وغادروا إلى منازلهم. هي مشكلة نسق اللعب البطيء، والذي يعكس مشكلة جوهرية عانت منها الفرق المختلفة، وهي ترتبط أولاً وأخيراً باللياقة البدنية الضعيفة للاعبين، وذلك لأسبابٍ باتت معروفة، منها ما يخصّ احترافية اللاعب وطريقة عيشه وتعامله في حياته اليومية إن كان لناحية ما يتناوله في المنزل أو لناحية جديّته في التمارين، التي غاب عنها في أنديةٍ كثيرة مدربو اللياقة البدنية.
فعلاً لا يمكن تخيّل ما سيكون عليه الوضع الفني العام إذا ما عادت البطولات حتى خلال ثلاثة أشهر، فما ظهر عليه قسمٌ كبير من اللاعبين يترك قلقاً فعلياً، ويفرض عملاً جذرياً بالنسبة إلى أولئك الذين سيتوّلون الإشراف عليهم لاحقاً في محاولةٍ لإعادتهم ولو بشكلٍ تدريجي إلى طبيعتهم الرياضية.
لاتنسى مشاركة: الدوري بعد كورونا... أوزانٌ ثقيلة ولياقةٌ معدومة على الشبكات الاجتماعية.
التعليقات (0)
أعجبني / لايعجبني
ماهو تفاعلك مع هذا ؟